الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

 مرة أخرى  .. دائرة التأديب في المجلس 


تطور جديد في قضائنا لم  أكن أتصور أن أراه اليوم خصوصاً من الجيل السابق من القضاة  الذين شارفوا على التقاعد ، التطور يتمثل في  استعمال "البطلان الشكلي" 
لكن للأسف تم تطبيقة بشكل خاطيء ؟!!

الجمعة، 30 أغسطس 2013

المخالفات القضائية والنظامية في الدعوى التأديبية



المخالفات القضائية والنظامية في الدعوى التأديبية
(أكثر من خمسة عشر مخالفة يقع فيها المجلس الأعلى للقضاء في محاكمة قاضيين)
بسم الله والحمد لله وبعد:
منذ مدة وأنا أرقب تصرفات المجلس الأعلى للقضاء وقراراته المعيبة ، ومحاولات رئيسه المكلف (وزير العدل) ليَّ أعناق النصوص النظامية وتطويعها واستخدام علاقاته  لخدمة نفوذه الشخصي دون مراعاة لأي مصلحة شرعية أو نظامية ، مما فاقم من حالة الإحباط واليأس لدى القضاة والمحامين وعموم الحقوقين ، وبت لا تحصي من تراه يتذمر من تصرفات معاليه وعنترياته ، وليس آخرها ما كتبه الإعلامي عبدالعزيز قاسم.
بالأمس تابعت هاشتاق #محاكمة_القاضي_آل_عبدالكريم الذي شارك فيه مجموعة كبيرة من ذوي الاهتمام من القضاة والمحامين والحقوقين وعموم الناس وبلغت التغريدات المئات خلال أقل من ساعة ،  فأسفت أن نقيم سيرة المجرمين ، في بلاد الموحدين، فنحاكم المصلحين وندع المجرمين!
دعنا من هذا كله .. تتبعت تفاصيل موضوع محاكمة الشيخين الفاضلين د.نايف القفاري والشيخ محمد العبدالكريم ومن مصادر من داخل المجلس الأعلى للقضاء ، بل من داخل دائرة التأديب لأكتشف وقوع أكثر من خمسة عشر مخالفة وقع فيها وزير العدل بنفسه أو بواسطة غيره ، سأسردها هنا حماية لاستقلال القضاء ، وصيانة للنظام الذي وضعه ولي الأمر أن تداس كرامته ، ومساهمة في حفظ القضاء الشرعي.
أما مختصر ما جرى من الشيخين فهو ممارسة حقهما الشخصي - كغيرهما من زملاءهما القضاة – في التعبير عن آرائهما ومطالبتهما وزير العدل بإصلاح القضاء وانفاذ مشروع  الملك عبدالله لتطوير القضاء الذي لم ينفذ منه شيء يذكر ، ولم يصرف حتى تاريخه من ستة مليارات مرصودة لتطوير القضاء منذ خمس سنوات سوى النزر اليسير ، لكنَّ وزير العدل رأى أن ذلك سوف يسبب له صداعاً مزمناً ، فآلا على نفسه إلا أن يكسر إرادة الإصلاح في نفوس القضاة عبر الترغيب والتخويف! فلما رأى أنهم ليسوا ممن عرض مبادئه وقيمه للبيع ، رفع العصا عبر دائرة التأديب ، لكنه وقع كعادته في أخطاء وبَوَاقع نظامية لا تجوز من مبتدأ في القانون ! فاشتكى الوزير إلى مجلس القضاء الأعلى الذي يرأسه تكليفاً وأصدر المجلس قراراً بالتحقيق مع الشيخين ، وشرع المحقق وقبل إكمال عمله أحال الموضوع إلى رئيس المجلس بدعوى امتناع القضاة من الجواب ، فأحالها معاليه إلى لجنة التأديب مباشرة ، وكتب رئيس التفتيش وعضو المجلس الدعوى التأديبية.
جمعت حتى هذه اللحظة أكثر من خمسة عشر مخالفة صريحة وقع فيها وزير العدل ومَن استخدمهم غفلةً منهم أو تغافلا أو تواطأ قذراً.
المخالفة الأولى : صدر قرار المجلس بالتحقيق مع الشيخين بناء على تدليس من وزير العدل على بقية أعضاء المجلس الأعلى للقضاء بأنه صدر من ولي الأمر (الملك حفظه الله وسدده) أمر بالتحقيق معهما ، أما حقيقة الحال فلا يوجد أمر ملكي ، والدليل على ذلك أن صورة الدعوى التأديبية التي رفعت على الشيخين وانتشرت صورتها بين القضاة لم يشرِ المدعي فيها إلى ذلك ، ولو كان موجوداً لرفع به عقيرته ، ولنشر صورته بين القضاة كما هو معتاد منه في أمورٍ أقل من هذا.
المخالفة الثانية: وبالتالي فإن قرار المجلس إنما صدر بناء على شكوى من وزير العدل ، لكنَّ هذه الشكوى لم تُتبع فيها الأوضاع المعتادة وفقا لما نصت عليه المادة (30) من لائحة التفتيش ، والتي نصت على أن تقدم الشكوى من صاحب الشأن نفسه أو من يمثله  ، فأيُّ شأنٍ لوزير العدل في كتابة قاضٍ في تويتر! وهل التزم معاليه بما ورد في الفقرة ب/2 من نفس المادة بذكر كافة المتعلقة به من ذكر (اسمه وإثبات هويته ، ومهنته أو وظيفته ، ومكان إقامته ، ومكان عمله  ـ  إن وجد  ـ  وعنوانه ، ورقم هاتفه...) أحسب أن التزامه بذلك لا يتماهي مع كبرياء معاليه.
المخالفة الثالثة: أن وزير العدل شارك في مداولات القرار الصادر من المجلس وشارك في إصداره ، رغم أنه هو الشاكي ، وكان المفترض وفقاً لأبسط مباديء العدالة ألا يحضر مداولات القرار ولا يشارك في إصداره ، وغني عن القول أن علة منع كافة الأنظمة من مشاركة ذي المصلحة في إصدار القرارات وحضور مداولاتها هي منعه من التأثير بقدرته الكلامية أو العاطفية أو غيرها على بقية الأعضاء حين إصدار القرار ، وتمكين ذوي الصفة من اتخاذ قرار بمحض إرادتهم بل إن المواد 91 و 92 من نظام المرافعات منعت القاضي من نظر بعض القضايا لمجرد صداقته لأحد الخصوم .
في النهاية صدر قرار معيب من المجلس بالتحقيق مع الشيخين ، وأصدر رئيس التفتيش تكليفاً لأحد المتفشين بإجراء التحقيق.
المخالفة الرابعة: شرع المحقق في التحقيق مع أصحاب الفضيلة وخالف المادة 34/ب من لائحة التفتيش الصادرة من المجلس الأعلى للقضاء  والتي نصت على ما يلي "ب ـ يقتصر المحقق عند إجراء التحقيق على الأمور المتصلة بواقعة الشكوى والكاشفة عن حقيقتها ." فتوسع في تحقيقه ليسأل أصحاب الفضيلة أسأل (بوليسية) تحمل اتهامات مبطنة ، يوضح ذلك أن التهمة المذكورة في لائحة الدعوى هي مخالفة الأمر الملكي بنهي القضاة عن استخدام وسائل الإعلام بصفتهم القضائية ، لكن المحقق شرع يسأل أصحاب الفضيلة عن مضمون التغريدات ، مما يعتبر تجاوزا صارخاً للحدود التي رسمتها لائحة التفتيش.
المخالفة الخامسة: وقوع تضليل واضح من قبل المحقق لدائرة التفتيش بأن أصحاب الفضيلة امتنعوا عن الجواب على أسئلته ، وذلك أنه بعد تقديم الأسئلة الملغومة للمشايخ واستعدادهم بالجواب ، وطلب المهلة النظامية ووفقاً لما ورد في المادة 41 من لائحة التفتيش ، ولم يمانع المفتش من ذلك في حينه، لكنه كتب في تقريره أن أصحاب الفضيلة امتنعوا عن الجواب؟! في سابقة غريبة عجيبة ، ثم أقر – أمام أعضاء لجنة التأديب- حين عقدت جلسة بعض المشايخ أنهم لم يمتنعوا.
المخالفة السادسة: ثم كتب رئيس المجلس المكلف (وزير العدل) إلى لجنة التأديب مباشرة بإجراء محاكمة لأصحاب الفضيلة ، والواجب نظاماً وفقاً لما نصت عليه المادة 39 الفقرة الثانية أن " تحيل الإدارة المحضر ومرافقاته إلى المجلس خلال (خمسة عشر) يوماً من تاريخ قيد المحضر لديها. ويصدر المجلس بعد الاطلاع على الأوراق قراره في هذا الشأن ." أي أن الواجب نظاماً أن يحال ملف التحقيق إلى المجلس مباشرة دون المرور برئيس المجلس خصوصا وهو مقدم الدعوى .
المخالفة السابعة:وكان قبول دائرة التأديب للدعوى دون قرار من المجلس مؤاخذه تدل على عدم حياد الدائرة ورغبتها في تنفيذ مآرب السيد الوزير! إذ كان الواجب على الدائرة رد الدعوى وعدم استقبالها.
المخالفة الثامنة: تقدم بالدعوى رئيس التفتيش القضائي ، رغم كونه عضواً في المجلس الأعلى للقضاء ، أي أن الأمر سيحال إليه – ضمن المجلس- للنظر فيه بعد انتهاء لجنة التأديب ، فكيف يكون مدعياً وحكماً في نفس الوقت ! وكان الواجب عليه أن ينيب غيره من المفتشين في تقديم الدعوى ، و لا يصح من متحذلق أن يقول إن لائحة التفتيش نصت في المادة التاسعة الفقرة ج على أن رئيس التفتيش هو الذي يتولى  الادعاء أو من ينيبه ، لأن الإنابة هنا واجبة ما دام أن رئيس التفتيش عضو في المجلس وفقا لما أشرنا إليه في مبادئ الحياد والاستقلال.
المخالفة التاسعة: دعوى رئيس التفتيش غير محررة بإقرار دائرة التأديب نفسها ! ومن يطلع على صورة الدعوى  التاديبية التي انتشرت بين أصحاب الفضيلة القضاة يدرك ذلك بوضوح ، فإذا عجز رئيس التفتيش عن تحرير ابسط الدعاوى فكيف يليق به أن يكون قاضياً فضلا ًعن أن يكون رئيسا للتفتيش القضائي!
المخالفة الحادية عشرة: لم تتضمن الدعوى الأدلة التي يستند إليها المحقق خلافاً لما نصت عليه المادة 60 من نظام القضاء (...ويجب أن تشتمل صحيفة الدعوى على المخالفة والأدلة المؤيدة لها ، وتصدر الدائرة قرارها بدعوة القاضي إلى الحضور أمامها .)
المخالفة الثانية عشرة: لم تصدر الدائرة أي قرار بدعوة المشايخ للحضور لديها ، بل لم يتم إبلاغ المشايخ بموعد الجلسة الأولى ! ولم يتم إرسال صحيفة الدعوى ولا أدلة الاتهام في مخالفة صريحة للمادتين 60 و61 من نظام القضاء والتي نصت على ما يلي "...وتصدر الدائرة قرارها بدعوة القاضي إلى الحضور أمامها ..." "المادة الحادية والستون : إذا رأت دائرة التأديب وجهاً للسير في إجراءات الدعوى عن جميع المخالفات أو بعضها ، كلف القاضي ، بالحضور في ميعاد مناسب ، ويجب أن يشتمل التكليف بالحضور على بيان كاف بموضوع الدعوى وأدلة المخالفة . "
المخالفة الثالثة عشرة: نصت المادة 61 من نظام القضاء على أن يكلف القاضي بالحضور في ميعاد مناسب ، وأظن كل عاقل يفهم من "ميعاد مناسب " أن تكون المدة مناسبة ليقوم القاضي بدراسة القضية وإعداد دفاعه مع الأخذ في الاعتبار أن القاضي لا زال على رأس العمل ولديه مسؤوليات عمل ، وإذا أردنا مقارنة صغيرة فإن المنظم أوجب ألا تقل المدة في الدعاوى المدنية (الحقوقية) عن ثمانية أيام وفقا لنص المادة من نظام المرافعات (40)، وفي القضايا الجزائية أوجب أن يُحدد قبل الجلسة موعدٌ مناسب حسب المادة( 137)، أما في هذه الدعوى فإن أحد القاضيين حدد له جلسة لم يبلغ بها أصلاً ؟! ثم حدد له موعد آخر بعد الموعد الأول بيوم واحد أي أنه حدد له موعدان خلال ثلاثة أيام ؟!! هل بقي حياد للدائرة ؟
المخالفة الثالثة عشرة: سارت لجنة التأديب في الدعوى رغم أنها غير محررة وكان الواجب عليها أن تلزم المدعي بتحرير دعواه أولا قبل السير في الدعوى فإن عجز ردت الدعوى.
المخالفة الرابعة عشرة: طلب المدعي تكليف المشايخ بالجواب عن أسئلة المحقق ! أي أن رئيس التفتيش يطلب من دائرة التأديب أن تقوم بإجراء تحقيق وهو يعلم أن هذا الإجراء غير جائز ولا سائغ للدائرة إلا بعد موافقة المجلس على إجراء التحقيق وفقا لما نصت عليه المادة 60 من نظام القضاء "... ويجوز لدائرة التأديب - بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء - أن تجري ما تراه لازماً من التحقيقات ، ولها أن تكلف أحد أعضائها للقيام بذلك . " واستجابت الدائرة لطلب المدعي!
المخالفة الخامسة عشرة: الشيخ نايف القفاري تقدم باستقالةٍ مشهورةٍ معروفةٍ لدى الجميع قبل مدة طويلة من بدء التحقيق ، ومن المقرر نظاماً أن القاضي إذا تقدم باستقالته فإن  الدعوى التأديبية تنقضي ولو كانت مرفوعة قبل تقديم الاستقالة وفقا لما نصت على  المادة الثالثة والستون "تنقضي الدعوى التأديبية باستقالة القاضي ، ولا تأثير للدعوى التأديبية على الدعوى الجزائية أو المدنية الناشئة عن الواقعة نفسها" فما السر وراء ملاحقة قاضٍ مستقيل.
لست بحاجة إلى أن أعيد القول في مسألة حق القاضي في الكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي بصفته الشخصية ، فقد جرى بحثها مراراً في حينها ومنه ما ورد في مقالة الشيخ طالب آل طالب http://www.saaid.net/arabic/587.htm
اختم هذه المقالة بأن من المقرر لدى جميع القانونيين أن النظام – وهو صادر أيضا بأمر ملكي- أقوى من الأوامر الملكية المجردة ، إذ الأنظمة تصدر وفقاً لإجراءات متعددة وطويلة ، بخلاف الأمر الملكي ،  فلو حصل تعارض بينهما قُدم النظام على الأمر الملكي المجرد بدون شك ، وبالتالي فإن مخالفة النظام تعتبر أشد من مخالفة أمر ملكي خصوصاً مع  الاجتهادات المتعددة في تفسيره والعمل به ، فمن الأولى اليوم بالمحاكمة وزير العدل الذي خالف عدداً من الأنظمة وجاهد لإهانة القضاء والقضاة أو رجال كتبوا نصحا لله ولرسوله؟!
استودعكم الله
القاضي
عبدالله بن حمود الريس

الجمعة، 18 يناير 2013



الأوامر الملكية هتك لاستقلال القضاء
(قراءة في الأوامر الملكية الصادرة في 3/3/1434ه بإعادة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا)

  1. يضعون نظاما ثم يقفزونه! من يحترم الأنظمة إن لم يحترمها مصدرها ؟!
  2. هللنا لنظام القضاء حين صدر عام 1428 ورأى كثيرون أنه خطوة إصلاحية كبيرة ، لكنا بعدُ رأيناه يداس بأقدام الديوان ، قلنا زلة او مصلحة ، لكنهم اليوم نحروه نحراً.
  3. في الأوامر عدد من الخروقات لنظام القضاء ! وهذه الخروقات هي إخلال بشروط نص عليها نظام القضاء ، مما يعني أنها قرارات معيبة ، لم تستكمل الشروط النظامية ، وقد كان مستغربا أن تصدر قرارات معيبة بهذا الشكل من أعلى سلطة في البلد ، ومن المستغرب أيضاً أن يعاود الديوان هذه الخروقات التي سوف أبينها تفصيلا بعد قليل ، والظريف أن الدولة تعاقب كل من يخالف الأنظمة بغرامات أو عقوبات ؟!
  4. قدم الديوان لهذه القرارات - قبل يوم واحد - بإعفاء بعض أبناء الأسرة وتعيين آخرين ، ليفهم الناس أن ليس أحد بمعزل عن العزل ، وهذا مبررٌ في عقول السذج ، لكن تجاهل الديوان أن تلك التعيينات تتعلق بالسلطة التنفيذية ، ولها أعرافها وأنظمتها ، أم القضاء فله شأن آخر يختلف كلياً عن السلطات الأخرى ، ولا يجوز بحال في عقل فقيه أو قانوني أو حقوقي ان يسري على هذا ما يسرى على ذاك.
  5. طالت هذه التغييرات رؤوس الهرم القضائي الإداري والقضائي في القضاء العام فيما لم يحدث أي تغيير في وزارة العدل ولا في ديوان المظالم مما يدل على أنها لهوى نافذٍ معين!
  6. كشفت هذه القرارات ما بقي من ورقة التوت في استقلال القضاء وذلك باستمرار تكليف وزير العدل برئاسة المجلس ، وبتخطي نظام القضاء مراراً ، و إبعاد جميع أعضاء المحكمة العليا واستبدالهم بآخرين ، لأنه يقع في مفهوم كل قاض يعين في هذه المحكمة أن الاستمرار مرهون بعلاقاتك وما تقدم فيها ومقدار الطاعة، وإلا فإن مصيرك أن تذوق مرارة العزل.
  7. إن عزل قاض واحد في المحكمة العليا بدون أسباب نظامية واضحة وصريحة ووفقا لإجراءات تتم أولا داخل الجهاز القضائي كفيل بأن يعري نظام الدولة وأنه لا يعنيه ابدا استقلال القضاء فكيف إذا كان العزل لجميع قضاة المحكمة العليا ؟!! دفعة واحدة ومعهم رئيس المحكمة العليا بناء على طلبه حسبما زعموا!
  8. في دول العالم يتمتع قضاة المحكمة العليا بحصانة زائدة عن حصانة باقي القضاة ، ومن أهم ما في الحصانة التي يتمتعون بها حصانتهم ضد العزل
  9. ففي إنكلترا مثلا لا يجوز عزل قضاة المحكمة العليا لأي سبب حتى لو تعلق الأمر بالعجز الجسماني نحو المرض أو العاهة التي تعوقهم من أداء عملهم إلا بناءاً على طلب من مجلس البرلمان.
  10. لقد تم عزل رئيس المحكمة العليا في سيرلنكا عام 2012 فأبدت الخارجية الأمريكية قلقها من ذلك وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية " نحن أيضاً نلاحظ بقلق التهديدات الأخيرة الموجهة للمسؤولين القضائيين في سريلانكا، بما في ذلك هجوم الأسبوع الماضي على أحد القضاة، الذي انتقد علانية ضغط الحكومة على أعضاء السلطة القضائية وأشارت نولاند إلى أن بلادها تحث حكومة سريلانكا على تجنب أي إجراء من شأنه إعاقة فاعلية واستقلال السلطة القضائية السريلانكية"
  11. في موريتانيا تم عزل كبير القضاة ورئيس المحكمة العليا فأثار ذلك أزمة حادة في البلاد "وقامت غالبية الأحزاب والقضاة بإصدار بيانات شديدة اللهجة تدعو السلطات إلى "احترام استقلالية القضاء"، مؤكدة تضامنها الكامل واللامحدود مع رئيس المحكمة العليا ووقوفها إلى جانب كل ما من شأنه أن يضمن استقلالية" وقالت قناة العربية على موقعها إن عزله يثير إشكالات قضائية تتعلق باستقلالية القضاء.
  12. ليس بعيدا عنا ما حصل في باكستان عندما تهور الرئيس الباكستاني أنذاك وعزل رئيس المحكمة العليا.
  13. إذن في فهم السياسة والقانون والشعوب ايضا أن عزل قضاة المحكمة العليا يمثل انتهاكا صارخا لاستقلال القضاء.
  14. سيكون هذا الفعل مكرسا للنظرة الحقوقية الغربية والعربية التي ترى استبداد السياسة هنا وتحكمها في كل مفاصل وتفصيلات التشريع والقضاء والتنفيذ ، وهو دليل قوي في مسألة عدم استقلال القضاء ، لا سيما وهذا التغيير يفقد أي أسانيد نظامية أو شرعية ، كما أن المنظمات الغربية سوف تستخدمه في ابتزاز الدولة في الوقت المناسب.
  15. هذا التغيير ليس سوى صب للزيت على النار لأن نفوس القضاة تغلي منذ مدة بسبب تصرفات الوزير المشينة وهجوم الصحافة المقيت وهم يعلمون جيدا خطورة هذه الخطوة وهذه الخروقات الكثيرة في هذه الأوامر.
  16. ومن جهة أخرى فإن هذا الإبعاد أو "الإحلال" كما سماه الديوان سيؤثر على تباطؤ العمل في المحكمة العليا خلال الأسابيع القادمة بل سيؤدي إلى توقفه تماما لأسابيع! ذلك أن قضاة العليا انتهت ولايتهم وليس بإمكانهم التوقع على أي ورقة إلا ما نص النظام على توقيعه مثل القرارات المنتهية أو التظهير ونحوه ، وأما الثلة الجديدة من القضاة فليس بمقدرهم استلام أي عمل قبل قيام رئيس المحكمة الجديد باقتراح تشكيلات الدوائر ثم اجتماع المجلس الأعلى الجديد للموافقة على هذه التشكيلات ، والمجلس أيضا قد طاله التغيير مما يعني أن استقرار المجلس وتمكنه من اتخاذ قرارات مناسبة يحتاج بعض الوقت.
  17. ناهيك عن كون القرار صادر في نهاية دوام يوم الاثنين وسرى في ذلك اليوم أي أن القرارات المتخذه من أعضاء المحكمة في ذلك اليوم باطلة؟!
  18. وقد كان "الواجب إداريا" –وإن كان مرفوضا نظاما وقضاء- أن يتم إبعاد نص الأعضاء فقط و"إحلال" قضاة آخرين في النصف الآخر حتى يستمر العمل وبعد سنة أو سنتين يتم "إحلال النصف الآخر" ، مما يشير إلى وجود رغبات وأهواء للديوان لكن المحكمة العليا وقفت لها بالمرصاد فتم "اجتثاث" أعضاء العليا جميعا؟! ومما يشار إليه في هذا السياق أن "المبدأ" المستقر داخل المحكمة العليا أن أي قضية تم إصدار قرار من مجلس القضاء الأعلى السابق فيها فإن المحكمة تعيدها إلى الديوان لعدم إمكان النظر فيها وهي قضايا كثيرة جداً سببت إزعاجا للديوان بحسب بعض العارفين.
  19. كان من المنتظر أن يتم إبعاد وزير العدل لأنه لا زال وزير الكلام ، وليس له أفعال يمكن أن تبرأ الذمة بها وإبقاءه في هذا المنصب المهم ، ومقالات القضاة وكتابتهم التي كتبت خلال الفترة الماضية وقد بلغت العشرات تدل بوضوح على مستوى أداء وزير العدل.
  20. ملاحظٌ في القرارات الاهتمام المبالغ فيه بالتنوع القبلي والمناطقي ، ربما أحيانا على حساب الجودة ، من ذلك أن أحد أعضاء العليا لم يكد يعرفه القضاة وتسائلوا من هو ، حتى ظهر أن اسمه الذي يوقع به على القرارات يختلف عن اسمه الذي ظهر في القرار الملكي ، ولست معارضا أبدا لبادرة التنوع القبلي والمناطقي ، لكن لا يجوز أبدا أن يكون على حساب الجودة.
  21. جرت عادة الدولة على تكريم رجالها بإعطائهم مناصب أخرى قد تكون ليست ذات أهمية بالغة لكنها تحفظ شيئا من الكرامة ،لكنها في هذه القرارات أبعدت بعض من خدموا الدولة سنين بل عقوداً من الزمن بدون أي اعتبار لكرامتهم ، ولو أن يطلبوا منه أن يستقيل ويكون الإعفاء بناء على طلبه مما يشير إلى أن الأغراض الشخصية لبعض النافذين كان لها أثر في القرارات ، بل يشير بعض المطلعين إلى أن هذا الإبعاد تم بشكل مفاجئ دون اعتبار للمشاعر ، وهذه إهانة بالغة لا احسب أن الديوان قد حسب حسابها.
  22. ثار الجدل بين القضاة في مصير أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الدائمين وأمينه ، وأعضاء المحكمة العليا , لكونهم من القضاة هل يعودون لمحاكم الاستئناف ، أم أن الأمر يعتبر إعفاء لهم ، وكان على الديوان حسم هذا الموضوع بصورة واضحة.
  23. حسنة إبعاد أكثر الواردين على المجلس ممن علاقتهم بعيدة بالقضاء.
  24. أما الخروقات النظامية فهذه بعضها:

  • بدأ الديوان بهتك المادة الأولى من نظام القضاء التي تنص على استقلال القضاة كما وضحناه قبل قليل ، وهتك المادة 46 من النظام الأساسي للحكم التي نصت على أن "القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية" فأي استقلال يبقى إذا كان القضاء والقضاة لا يدورن متى يأتيهم العزل والتعيين.
  • بعد ذلك خرق الديوان المادة الثالثة من نظام القضاء التي تنص على ان القضاة لا ينقلون إلا برضاهم وبإبعاد قضاة العليا يكون الديوان قد نقلهم جبراً إلى محاكم الاستئناف بغير رضاهم ، اللهم إلا أن يقال إن تعيين غيرهم في مكانهم يعتبر عزلا لهم فيكون الديوان قد انتهك المادة الثانية التي نصت على أن "القضاة غير قابلين للعزل إلا في الحالات المبينة في هذا النظام"
  • وانتهك الفقرة هـ من المادة الخامسة التي تنص على أن يكون من ضمن أعضاء المجلس "ثلاثة أعضاء يتوافر فيهم ما يشترط في قاضي استئناف يسمون بأمر ملكي" وثمة أحد الأعضاء لا يتوفر فيه هذا الشرط بل إنه لو كان قاضيا لما تجاوز درجة وكيل محكمة أ ، ولم يسبق له ممارسة القضاء ولا تدريس الفقه وأصوله المدة المطلوبة نظاماً؟! أي أن الديوان انتهك الشروط انتهاكا مزدوجا فلا السن ينطبق عليه ولا الخبرة والمعرفة العلمية المشترطة في قاضي استئناف.
  • قضاة المحكمة العليا والأعضاء المتفرغين في المجلس لا بد أن يكونوا على درجة رئيس استئناف وفقا للمادة العاشرة الفقرة الثالثة والمادة الخامسة من نظام القضاء والملاحظ أن بعض من عينوا لا زالوا على درجة قاضي استئناف وليس مستحقا لدرجة رئيس استنئاف! واللافت للنظر أنه سبق من المجلس الأعلى للقضاء أن طلب من الديوان دعم المحكمة العليا ببعض الأعضاء واقترحت بعض الأسماء حسب النظام ، لكن الديوان رد المعاملة لكون بعض من تم ترشيحهم ليسوا رؤوساء استئناف ،وبالتالي فعلى المجلس الاختيار ممن هم على درجة رئيس استئناف فقط.
  • تم تشكيل المحكمة العليا من الديوان مباشرة دون اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء خلافا للمادة العاشرة من نظام القضاء الصادر عام 1428ه والتي نصت على (...3- تؤلف المحكمة العليا من رئيس وعدد كاف من القضاة بدرجة رئيس محكمة استئناف وتكون تسمية الأعضاء بأمر ملكي بناء على اقتراح المجلس الأعلى للقضاء) ، وكل عاقل يعرف أهمية أن يقترح المجلس أسماء من يكون عضوا في العليا ، إذ هم الأعرف بقضاتهم وهم أحد عشر عضوا ، بخلاف الديوان الذي لا يعرف القضاة وقد يقع اسيرا لأهواء بعض النافذين.
  • تجاوز الديوان صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء المنصوص عليها في المادة الثامنة فقام هو باختيار الأمين العام للمجلس خلافاً للمادة المذكورة والتي نصت في الفقرة الثانية منها على (2- يكون للمجلس الأعلى للقضاء أمانة عامة، ويختار المجلس الأمين العام من بين القضاة.) أي أن المجلس هو الذي يختار أمينه وهذا هو الوضع الطبيعي إداريا ، لأن الأمانة العامة للمجلس ليست سوى سكرتارية للمجلس ، فكيف سيكون أداء المجلس مع سكرتارية لا يرتاح لها ؟ ومن الطريف أن المجلس لم يؤخذ رأيه أصلا في هذه السكرتارية ، غني عن القول أن هذا لا يعتبر طعنا ولا تلميحا للطعن في صاحب الفضيلة الأمين العام الجديد للمجلس.
  • (ويختار المجلس الأمين العام من بين القضاة) أما هذه فإني قلت في صدر هذه القراءة أن الديوان عاود تخطي النظام ، واقصد بذلك أن هذه هي المرة الثانية التي يكسر فيها الديوان قيود وبنود مواد نظام القضاء في أقل من خمس سنوات من تاريخ صدوره ، ففي المرة الأولى لتعيين أمين المجلس قام الديوان بتعيين أمين المجلس من خارج سلك القضاء ،حيث عين وكيل وزارة العدل أمينا للمجلس وبدون اختيار المجلس.
والله لناصح مشفق أن تجر أهواء البعضِ الدولة إلى ما لا تحمد عقباه وأن يحرجها أمام العالم لاسيما وقد تحررت كثير من الشعوب من طغيان الظلمة المستبدين.
القاضي 
عبدالله بن حمود الريس  
 @alryys1