الجمعة، 18 يناير 2013



الأوامر الملكية هتك لاستقلال القضاء
(قراءة في الأوامر الملكية الصادرة في 3/3/1434ه بإعادة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا)

  1. يضعون نظاما ثم يقفزونه! من يحترم الأنظمة إن لم يحترمها مصدرها ؟!
  2. هللنا لنظام القضاء حين صدر عام 1428 ورأى كثيرون أنه خطوة إصلاحية كبيرة ، لكنا بعدُ رأيناه يداس بأقدام الديوان ، قلنا زلة او مصلحة ، لكنهم اليوم نحروه نحراً.
  3. في الأوامر عدد من الخروقات لنظام القضاء ! وهذه الخروقات هي إخلال بشروط نص عليها نظام القضاء ، مما يعني أنها قرارات معيبة ، لم تستكمل الشروط النظامية ، وقد كان مستغربا أن تصدر قرارات معيبة بهذا الشكل من أعلى سلطة في البلد ، ومن المستغرب أيضاً أن يعاود الديوان هذه الخروقات التي سوف أبينها تفصيلا بعد قليل ، والظريف أن الدولة تعاقب كل من يخالف الأنظمة بغرامات أو عقوبات ؟!
  4. قدم الديوان لهذه القرارات - قبل يوم واحد - بإعفاء بعض أبناء الأسرة وتعيين آخرين ، ليفهم الناس أن ليس أحد بمعزل عن العزل ، وهذا مبررٌ في عقول السذج ، لكن تجاهل الديوان أن تلك التعيينات تتعلق بالسلطة التنفيذية ، ولها أعرافها وأنظمتها ، أم القضاء فله شأن آخر يختلف كلياً عن السلطات الأخرى ، ولا يجوز بحال في عقل فقيه أو قانوني أو حقوقي ان يسري على هذا ما يسرى على ذاك.
  5. طالت هذه التغييرات رؤوس الهرم القضائي الإداري والقضائي في القضاء العام فيما لم يحدث أي تغيير في وزارة العدل ولا في ديوان المظالم مما يدل على أنها لهوى نافذٍ معين!
  6. كشفت هذه القرارات ما بقي من ورقة التوت في استقلال القضاء وذلك باستمرار تكليف وزير العدل برئاسة المجلس ، وبتخطي نظام القضاء مراراً ، و إبعاد جميع أعضاء المحكمة العليا واستبدالهم بآخرين ، لأنه يقع في مفهوم كل قاض يعين في هذه المحكمة أن الاستمرار مرهون بعلاقاتك وما تقدم فيها ومقدار الطاعة، وإلا فإن مصيرك أن تذوق مرارة العزل.
  7. إن عزل قاض واحد في المحكمة العليا بدون أسباب نظامية واضحة وصريحة ووفقا لإجراءات تتم أولا داخل الجهاز القضائي كفيل بأن يعري نظام الدولة وأنه لا يعنيه ابدا استقلال القضاء فكيف إذا كان العزل لجميع قضاة المحكمة العليا ؟!! دفعة واحدة ومعهم رئيس المحكمة العليا بناء على طلبه حسبما زعموا!
  8. في دول العالم يتمتع قضاة المحكمة العليا بحصانة زائدة عن حصانة باقي القضاة ، ومن أهم ما في الحصانة التي يتمتعون بها حصانتهم ضد العزل
  9. ففي إنكلترا مثلا لا يجوز عزل قضاة المحكمة العليا لأي سبب حتى لو تعلق الأمر بالعجز الجسماني نحو المرض أو العاهة التي تعوقهم من أداء عملهم إلا بناءاً على طلب من مجلس البرلمان.
  10. لقد تم عزل رئيس المحكمة العليا في سيرلنكا عام 2012 فأبدت الخارجية الأمريكية قلقها من ذلك وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية " نحن أيضاً نلاحظ بقلق التهديدات الأخيرة الموجهة للمسؤولين القضائيين في سريلانكا، بما في ذلك هجوم الأسبوع الماضي على أحد القضاة، الذي انتقد علانية ضغط الحكومة على أعضاء السلطة القضائية وأشارت نولاند إلى أن بلادها تحث حكومة سريلانكا على تجنب أي إجراء من شأنه إعاقة فاعلية واستقلال السلطة القضائية السريلانكية"
  11. في موريتانيا تم عزل كبير القضاة ورئيس المحكمة العليا فأثار ذلك أزمة حادة في البلاد "وقامت غالبية الأحزاب والقضاة بإصدار بيانات شديدة اللهجة تدعو السلطات إلى "احترام استقلالية القضاء"، مؤكدة تضامنها الكامل واللامحدود مع رئيس المحكمة العليا ووقوفها إلى جانب كل ما من شأنه أن يضمن استقلالية" وقالت قناة العربية على موقعها إن عزله يثير إشكالات قضائية تتعلق باستقلالية القضاء.
  12. ليس بعيدا عنا ما حصل في باكستان عندما تهور الرئيس الباكستاني أنذاك وعزل رئيس المحكمة العليا.
  13. إذن في فهم السياسة والقانون والشعوب ايضا أن عزل قضاة المحكمة العليا يمثل انتهاكا صارخا لاستقلال القضاء.
  14. سيكون هذا الفعل مكرسا للنظرة الحقوقية الغربية والعربية التي ترى استبداد السياسة هنا وتحكمها في كل مفاصل وتفصيلات التشريع والقضاء والتنفيذ ، وهو دليل قوي في مسألة عدم استقلال القضاء ، لا سيما وهذا التغيير يفقد أي أسانيد نظامية أو شرعية ، كما أن المنظمات الغربية سوف تستخدمه في ابتزاز الدولة في الوقت المناسب.
  15. هذا التغيير ليس سوى صب للزيت على النار لأن نفوس القضاة تغلي منذ مدة بسبب تصرفات الوزير المشينة وهجوم الصحافة المقيت وهم يعلمون جيدا خطورة هذه الخطوة وهذه الخروقات الكثيرة في هذه الأوامر.
  16. ومن جهة أخرى فإن هذا الإبعاد أو "الإحلال" كما سماه الديوان سيؤثر على تباطؤ العمل في المحكمة العليا خلال الأسابيع القادمة بل سيؤدي إلى توقفه تماما لأسابيع! ذلك أن قضاة العليا انتهت ولايتهم وليس بإمكانهم التوقع على أي ورقة إلا ما نص النظام على توقيعه مثل القرارات المنتهية أو التظهير ونحوه ، وأما الثلة الجديدة من القضاة فليس بمقدرهم استلام أي عمل قبل قيام رئيس المحكمة الجديد باقتراح تشكيلات الدوائر ثم اجتماع المجلس الأعلى الجديد للموافقة على هذه التشكيلات ، والمجلس أيضا قد طاله التغيير مما يعني أن استقرار المجلس وتمكنه من اتخاذ قرارات مناسبة يحتاج بعض الوقت.
  17. ناهيك عن كون القرار صادر في نهاية دوام يوم الاثنين وسرى في ذلك اليوم أي أن القرارات المتخذه من أعضاء المحكمة في ذلك اليوم باطلة؟!
  18. وقد كان "الواجب إداريا" –وإن كان مرفوضا نظاما وقضاء- أن يتم إبعاد نص الأعضاء فقط و"إحلال" قضاة آخرين في النصف الآخر حتى يستمر العمل وبعد سنة أو سنتين يتم "إحلال النصف الآخر" ، مما يشير إلى وجود رغبات وأهواء للديوان لكن المحكمة العليا وقفت لها بالمرصاد فتم "اجتثاث" أعضاء العليا جميعا؟! ومما يشار إليه في هذا السياق أن "المبدأ" المستقر داخل المحكمة العليا أن أي قضية تم إصدار قرار من مجلس القضاء الأعلى السابق فيها فإن المحكمة تعيدها إلى الديوان لعدم إمكان النظر فيها وهي قضايا كثيرة جداً سببت إزعاجا للديوان بحسب بعض العارفين.
  19. كان من المنتظر أن يتم إبعاد وزير العدل لأنه لا زال وزير الكلام ، وليس له أفعال يمكن أن تبرأ الذمة بها وإبقاءه في هذا المنصب المهم ، ومقالات القضاة وكتابتهم التي كتبت خلال الفترة الماضية وقد بلغت العشرات تدل بوضوح على مستوى أداء وزير العدل.
  20. ملاحظٌ في القرارات الاهتمام المبالغ فيه بالتنوع القبلي والمناطقي ، ربما أحيانا على حساب الجودة ، من ذلك أن أحد أعضاء العليا لم يكد يعرفه القضاة وتسائلوا من هو ، حتى ظهر أن اسمه الذي يوقع به على القرارات يختلف عن اسمه الذي ظهر في القرار الملكي ، ولست معارضا أبدا لبادرة التنوع القبلي والمناطقي ، لكن لا يجوز أبدا أن يكون على حساب الجودة.
  21. جرت عادة الدولة على تكريم رجالها بإعطائهم مناصب أخرى قد تكون ليست ذات أهمية بالغة لكنها تحفظ شيئا من الكرامة ،لكنها في هذه القرارات أبعدت بعض من خدموا الدولة سنين بل عقوداً من الزمن بدون أي اعتبار لكرامتهم ، ولو أن يطلبوا منه أن يستقيل ويكون الإعفاء بناء على طلبه مما يشير إلى أن الأغراض الشخصية لبعض النافذين كان لها أثر في القرارات ، بل يشير بعض المطلعين إلى أن هذا الإبعاد تم بشكل مفاجئ دون اعتبار للمشاعر ، وهذه إهانة بالغة لا احسب أن الديوان قد حسب حسابها.
  22. ثار الجدل بين القضاة في مصير أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الدائمين وأمينه ، وأعضاء المحكمة العليا , لكونهم من القضاة هل يعودون لمحاكم الاستئناف ، أم أن الأمر يعتبر إعفاء لهم ، وكان على الديوان حسم هذا الموضوع بصورة واضحة.
  23. حسنة إبعاد أكثر الواردين على المجلس ممن علاقتهم بعيدة بالقضاء.
  24. أما الخروقات النظامية فهذه بعضها:

  • بدأ الديوان بهتك المادة الأولى من نظام القضاء التي تنص على استقلال القضاة كما وضحناه قبل قليل ، وهتك المادة 46 من النظام الأساسي للحكم التي نصت على أن "القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية" فأي استقلال يبقى إذا كان القضاء والقضاة لا يدورن متى يأتيهم العزل والتعيين.
  • بعد ذلك خرق الديوان المادة الثالثة من نظام القضاء التي تنص على ان القضاة لا ينقلون إلا برضاهم وبإبعاد قضاة العليا يكون الديوان قد نقلهم جبراً إلى محاكم الاستئناف بغير رضاهم ، اللهم إلا أن يقال إن تعيين غيرهم في مكانهم يعتبر عزلا لهم فيكون الديوان قد انتهك المادة الثانية التي نصت على أن "القضاة غير قابلين للعزل إلا في الحالات المبينة في هذا النظام"
  • وانتهك الفقرة هـ من المادة الخامسة التي تنص على أن يكون من ضمن أعضاء المجلس "ثلاثة أعضاء يتوافر فيهم ما يشترط في قاضي استئناف يسمون بأمر ملكي" وثمة أحد الأعضاء لا يتوفر فيه هذا الشرط بل إنه لو كان قاضيا لما تجاوز درجة وكيل محكمة أ ، ولم يسبق له ممارسة القضاء ولا تدريس الفقه وأصوله المدة المطلوبة نظاماً؟! أي أن الديوان انتهك الشروط انتهاكا مزدوجا فلا السن ينطبق عليه ولا الخبرة والمعرفة العلمية المشترطة في قاضي استئناف.
  • قضاة المحكمة العليا والأعضاء المتفرغين في المجلس لا بد أن يكونوا على درجة رئيس استئناف وفقا للمادة العاشرة الفقرة الثالثة والمادة الخامسة من نظام القضاء والملاحظ أن بعض من عينوا لا زالوا على درجة قاضي استئناف وليس مستحقا لدرجة رئيس استنئاف! واللافت للنظر أنه سبق من المجلس الأعلى للقضاء أن طلب من الديوان دعم المحكمة العليا ببعض الأعضاء واقترحت بعض الأسماء حسب النظام ، لكن الديوان رد المعاملة لكون بعض من تم ترشيحهم ليسوا رؤوساء استئناف ،وبالتالي فعلى المجلس الاختيار ممن هم على درجة رئيس استئناف فقط.
  • تم تشكيل المحكمة العليا من الديوان مباشرة دون اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء خلافا للمادة العاشرة من نظام القضاء الصادر عام 1428ه والتي نصت على (...3- تؤلف المحكمة العليا من رئيس وعدد كاف من القضاة بدرجة رئيس محكمة استئناف وتكون تسمية الأعضاء بأمر ملكي بناء على اقتراح المجلس الأعلى للقضاء) ، وكل عاقل يعرف أهمية أن يقترح المجلس أسماء من يكون عضوا في العليا ، إذ هم الأعرف بقضاتهم وهم أحد عشر عضوا ، بخلاف الديوان الذي لا يعرف القضاة وقد يقع اسيرا لأهواء بعض النافذين.
  • تجاوز الديوان صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء المنصوص عليها في المادة الثامنة فقام هو باختيار الأمين العام للمجلس خلافاً للمادة المذكورة والتي نصت في الفقرة الثانية منها على (2- يكون للمجلس الأعلى للقضاء أمانة عامة، ويختار المجلس الأمين العام من بين القضاة.) أي أن المجلس هو الذي يختار أمينه وهذا هو الوضع الطبيعي إداريا ، لأن الأمانة العامة للمجلس ليست سوى سكرتارية للمجلس ، فكيف سيكون أداء المجلس مع سكرتارية لا يرتاح لها ؟ ومن الطريف أن المجلس لم يؤخذ رأيه أصلا في هذه السكرتارية ، غني عن القول أن هذا لا يعتبر طعنا ولا تلميحا للطعن في صاحب الفضيلة الأمين العام الجديد للمجلس.
  • (ويختار المجلس الأمين العام من بين القضاة) أما هذه فإني قلت في صدر هذه القراءة أن الديوان عاود تخطي النظام ، واقصد بذلك أن هذه هي المرة الثانية التي يكسر فيها الديوان قيود وبنود مواد نظام القضاء في أقل من خمس سنوات من تاريخ صدوره ، ففي المرة الأولى لتعيين أمين المجلس قام الديوان بتعيين أمين المجلس من خارج سلك القضاء ،حيث عين وكيل وزارة العدل أمينا للمجلس وبدون اختيار المجلس.
والله لناصح مشفق أن تجر أهواء البعضِ الدولة إلى ما لا تحمد عقباه وأن يحرجها أمام العالم لاسيما وقد تحررت كثير من الشعوب من طغيان الظلمة المستبدين.
القاضي 
عبدالله بن حمود الريس  
 @alryys1